بنى الحبيب – حتى و إن كنت كبيرًا فى السن – أنا أغبطك على هذه الغيرة المحمودة
لدين الله عز وجل وأهمية صرف الوقت فيما يفيد فقد رأيت فى كلامك حرصًا أسأل الله
تعالى أن يرزقك معه الفهم الصحيح والشامل لدين الله تعالى وكما أراد بين رسولنا فى
سنته ... غيرتك هذه ذكرتنى بمقولة ابن القيم – رحمه الله – حين قال " فأى دين وأى
عقل فيمن يرى محارم الله تنتهك وتضيع وسنة رسوله يرغب عنها وهو بارد القلب ساكن
اللسان شيطان أخرس .. وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم
ورياستهم فلا مبالاة مما يجرى بعد ذلك على الدين " وقبل أن أخوض معك فى الأمر ..
أسألك عدة أسئلة ومنطلقى فيها أن تجمعنا رحم الدين الشامل ...
1أليس المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟
2- أليست وسيلة التغيير لا تقبل إلا إذا عجز الإنسان عن الأكمل منها ؟ فلا يقبل التغيير
بالقلب مادام التغيير باللسان فى الإمكان ؟
3- أليس أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ؟
4- ألم يقل ربنا عز وجل " لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها " ؟ أتفهم بعض المراد من الآية
؟ دعنى أهمس فى أذنك أن مفهوم الآية أن الله كلف كل نفس بما آتاها .
5- أليس الله قد رزق كل إنسان بعض الهبات والمنح والمواهب تختلف عن الآخرين
وواجب كل فرد أن يشكر الله بهذه النعمة فى سبيله ؟
6- ألم يقل النبى صلى الله عليه وسلم لأحد صحابته عن الأذان علمه لبلال فإنه أندى منك
صوتًا ؟
7- ألا تعلم أن جاهزية المؤمن تجعله يخوض الغمار فى أى وقت وبأى وسيلة شريفة
رزقه الله ومكنه منها ؟
8- أليست العاطفة أصل الدافع والمحرك للسلوك الذى عليه مناط التغيير المنشود ؟
9- أليس من حكمة الله أن يكون نصف آيات القرآن تقريبًا تتمثل فى الترغيب والترهيب
بعيدًا عن الأحكام ؟ إثارة للمشاعر والعواطف
بنى الحبيب بحبه لسنة الحبيب أسأل الله لك الفهم والفقه وعدم التنطع فى دين الله
تعالى ... إن المشاعر والعاطفة الدينية القوية هى التى حفظت الإسلام قرونًا طويلة ...
ذلك لأن الجفاف الروحى واليبس العاطفى أخطر آفات العمل الإسلامى
وفى هذا يقول " المودودى " يجب أن تكون فى قلوبكم هذه العاطفة نار متقدة مثل
حرصكم على أبنائكم ومصالحكم الشخصية وهى إن لم تكن راسخة فى أذهانكم ملتحمة مع
أرواحكم فإنكم لا تقدرون أن تحركوا ساكنًا "
وفى هذا يقول الغزالى " الناس الآن على صنفين :
· صنف تلمس فيه عاطفة حارة وحبًا لله ورسوله لكنه لايعلم من أحكام الكتاب والسنة
وفقه الواقع إلا القليل .
· وصنف تلمس فيه العلم والبلاغة لكنه بارد الأنفاس غليظ القلب
أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الصنفين لهذا فما دام الله قد رزقك الحماسة والغيرة فلا
يبقى إلا أن تتعلم شيئًا من فقه الدين كتابًا وسنة :
1- ألم يستحسن النبى صلى الله عليه وسلم بيت لبيد " ألا كل ما خلا الله باطلاً" وأثنى
عليه وعلى قائله ؟
2- ألم يكن للنى صلى الله عليه وسلم شاعرًا ومن أحب الكنى إليه - أى إلى حسان بن
ثابت – أنه شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبة الاسم إلى رسول الله فيها من
الإقرار ما فيها ؟
3- ألم يحثه كثيرًا ويدعوه صلى الله عليه وسلم على إلقاء الشعر قائلاً له " اهجهم
وجبريل معك " و " اهجهم وروح القدس معك " ؟
4- ألم يكن جزء من المبارزة بين " على بن أبى طالب و " عمرو بن ود " يوم الخندق
عن طريق الشعر ؟ وارجع إلى كتب السنة فى هذا .
5- بل إنى أسوق إليك دليلاً آخر ....
هل تعلم ان النبى صلى الله عليه وسلم صوب الشعر ليستقيم مع رؤية المسلم الحق ؟ ربما
تتعجب ولكن اسمع منى ...
تقرأ عليه الأبيات إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الهند مسلول
هذا كان أصل البيت فيسأل النبى صلى الله عليه وسلم الشاعر قائلاً له : " أيصح أن تقول
من سيوف الله ؟ " قال : نعم قال : فقل من سيوف الله .
فصار البيت كما نقرؤه الآن . أتدرى مفهوم سؤال النبى صلى الله عليه وسلم بلفظ "
أيصح " ؟ هذه الكلمة تتضمن حفاظه على آلية الشعر وفنيات الكتابة التى برأه الله منها
فقط حفاظًا على قدسية الوحى ولإبطال حجة المشركين أنه يأتى بالقرآن من عند نفسه .
· ودعنى هنا أعطيك شيئًا من الشعر المرفوض .. يقول الشاعر :
أتوب إليك يا رحمن مما عملت فقد تظاهرت الذنوب
وأما من هوى ليلى وتركى زيارتها فإنى لا أتوب
· وآخر يقول :
ولأطلبنك فى القيامة جاهدًا بين الخلائق والعباد نشور
فبجنة إن صرت صرت بجنة ولئن حواك سعيرها فسعير
· وآخر يقول :
أرانى إذا صليت يممت نحوها وجهى وإن كان المصلى ورائيا
أعتذر إليك إن كنت قد آذيت عينك مما قرأت ولكن سؤالى الأخير ....
· هل وجدت فيما قرأت فى المدونة ما يقدح فى أمر العقيدة ؟ أو يدعو إلى رذيلة ؟ أو يحث
على فحش ؟ أو يوحى بما يخدش ثوابت الأمة المباركة ؟
إن الواقع الذى تعيشه الأمة الآن يجعل كل إنسان مكلف بأن يدلو بدلوه مما رزقه الله فكلنا
على ثغر من ثغور الإسلام والله عز وجل هو الذى يقبل العمل الصالح ... ألم يقبل من
صاحب حفنة الشعير فى غزوة تبوك كما قبل من عثمان كل ما أنفق ؟ وهو وحده الذى
يعلم مكنونات الصدور وصدق النوايا فى الإنفاق والحركة والدعوة إليه ...
والشعر يابنى من وسائل الدعوة الكريمة لا ينبغى إغفاله أبدًا أو ترك الساحة فيه
للمبتذلين وساقطى الذوق الذين كتبوا للحمار والحنطور والخضار
نحن مطالبون شرعًا أن نبذل كل ما وهبنا الله تعالى حفاظًا على هذا الدين وزودًا عنه .
... بنى الحبيب نحن نتعامل مع الدنيا ونخاطبها كلها فينبغى أن تسمع كلمتنا فى كل
مجال ... فى العلم الدنيوى والشرعى فى السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة كما فى
قوة الساعد والسلاح أيضًا ... فهذه شمولية الإسلام التى ربانا عليها رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
ونحمد الله أن مفاتيح الجنة بيده وحده ليست بيد أحد يعطى من يحب ويحرم من يكره ..
ولكنها بيد الودود الرحيم العليم الحكيم سبحانه وتعالى ..
وفى الختام أسوق إليك طرفة ـ ولا تقل إنها حرام ـ فهى حقيقية ... أن الشيخ عبد الباسط
رحمه الله كان يؤذن فى أحد المساجد فسمعه أحد الأجانب وكان يركب الحنطور فسأل
العربجى عن الصوت الجميل ثم عن الإسلام ومن فضل الله تعالى نطق بالشهادة ثم بعد
مسافة تعرضا لمسجد آخر يقيم الصلاة .. صوت المؤذن فظ غليظ ينفر النفوس فجعل
العربجى يقول لحصانه " مدى شويه أحسن الراجل يكفر "
بنى الحبيب أثقلت وأطلت ولكنى أردت أن أوضح الأمور لك ولأمثالك حتى لا تتداخل
التصورات ويختلط الفهم فنعتقد صوابا ما ليس صحيحا والله أسأل أن يرزقنا الفهم
والعمل معًا ...
ختامًا لك نصيحتى وإذا أردت التواصل أشرحها لك ... يا بنى لا تكن أرضًا مقدسة بلا
زمزم "
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
Email:
www.weghtn@yahoo.com